ولد الشيخ أحمد بن محمد التيجاني عام 1737 ميلادية الموافق 1150 هجرية بقرية عين ماضي مقر أسلافه المتأخرين. إذ انتقل جده الرابع، سيدي محمد ابن سالم، مع أسرته، من أحواز مدينة أسفي بالمغرب الأقصى إلى بني توجين أو تيجانه، وتزوج منهم وصار أولاده وأحفاده يعرفون بالتيجانيين. فهم أخواله ، غلبت إليه النسبة إليهم. أما نسبه الحقيقي فيرتفع إلى سيدي محمد النفس الزكية بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب.
و كانت بلدة عين ماضي على قدر كبير من الأهمية العلمية، ذات بيئة مفعمة بالعلم والورع باعتبارها مركزا للمعرفة والولاية والصلاح منذ تأسيسها. وكان جل أفراد أسرة الشيخ ، الذين يشكلون إحدى مكونات هذه البلدة العلمية، على مستوى رفيع من العلم. وكان آباؤه وأجداده رضي الله عنهم من خيرة العلماء ولهم قدم راسخ في الولاية كجديه سيدي العلامة أحمد بن محمد، و سيدي الشيخ الولي المكين محمد بن سالم ، الذي وفد أولا إلى عين ماضي واتخذها موطنا وتزوج من أهلها. وكان أبوه عالما ورعا متبعا للسنة مدرسا ذاكرا متعلقا بالله ولا تأخذه فيه لومة لائم. وكان له بيت في داره، لا يدخله أحد إلا لذكر الله.
نشأ بين أبويه الصالحين نشأة صالحة يؤدبانه ويلقنانه ويربيانه تربية أمثالهما من أهل البصائر. وكان حيثما يتحرك الشيخ أحمد التيجاني داخل هذه البلدة يجد نفسه بين أهل العلم والمعرفة وفي رعاية الفقهاء والصلحاء. وإذا خرج إلى المسجد والزاوية صار في رحاب أساتذة وعلماء مجندين لتلقين تلامذتهم ما يفيد ويقرب إلى الله من العلوم الإسلامية. فتربى سيدي أحمد التيجاني في عفاف وصيانة وتقى وديانة ، أبي النفس عالي الهمة زكي الأخلاق محروسا بالعناية محفوفا بالرعاية. فكان رضي الله عنه لا يعرف ما الناس فيه من العوائد وما نشؤوا عليه من الزوائد. وكان ماضي العزم شديد الحزم في أموره كلها.وكان إذا ابتدأ شيئا لا يرجع عنه. وما شرع في أمر قط إلا أتمه. تجنح همته إلى معالي الأمور ولا يرضى بسفسافها.
في ظل هذه الرعاية النموذجية وفى أحضان هذه الأسرة المحبة للعلم والصلاح نشأ الشيخ أحمد التجاني كريم الأخلاق مقبلا على الجد والاجتهاد متمسكا بالدين وسنة المهتدين معظما عند الخاصة والعامة. وفى ظل هذه الظروف المطبوعة بالعناية المتميزة حفظ القرآن حفظا جيدا وهو ابن سبع سنوات، من رواية الإمام ورش تلميذ الإمام نافع، على يد الفقيه العلامة المقرئ سيدي محمد بن حمو التيجاني الماضوى الذي تتلمذ بدوره في حفظ القرآن وقراءته على شيخه العارف بالله سيدي عيسى بوعكاز الماضوى التيجاني. وكان رجلا صالحا مشهورا بالولاية. وبعد أن حفظ القرآن اشتغل الشيخ أحمد التيجاني بطلب العلوم الأصولية والفروعية والأدبية حتى رأس فيها وأدرك أسرار معانيها، يستوي عنده في اهتمامه المنقول والمعقول. واستمر في طلب العلم ببلاده حتى بلغ مرتبة أهلته للتدريس والإفتاء قبل أن يرحل رحلته الأولى إلى فاس. ثم ما لبث ، وهو في عين ماضي، أن مال إلى الزهد والانعزال والتأمل، وحبب إليه التعبد وقيام الليل حتى إذا بلغ سن الرشد زوجه والده من غير تراخ اعتناء بشأنه وحفظا وصونا لأمره، ومراعاة للسنة. وصار يدل على الله وينصح عباده وينصر سنة رسوله ويحيى أمور الدين وقلوب المؤمنين، وصار يضرب المثل به وبداره في إحياء السنة وأتباع المحجة البيضاء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. و حق له أن يسمى محيى الدين ومجدِّد ما أندرس واضمحل من إيمان المسلمين.
و لعل هذه المؤهلات هي التي جعلت سكان بلدة عين ماضي يوافقون بالإجماع على خلافة والده في رئاسة الزاوية رغم صغر سنه الذي كان يبلغ آنذاك ستة عشرة سنة. وهى المهمة التي مارس خلالها لمدة خمس سنوات تدريس القرآن والسنة وعلوم إسلامية أخرى.
نص المقال مأخوذ من موقع الزاوية الكبرى بتصرف.