للريح أمدٌ تشكوه إلى مشكاة .
لم يأبه (( ممدوح )) أن المشكاة لا تضيء نورا ولا ظلاما ولا تقبل الطعون ..للأرض بعلها ، وللسماء بعلها أيضا ، وللأمد عشيقته التي لا تنتمي ،
أطلت الريح من ثقوب المشكاة ، شاكية باكية ، نائحة ، فرحة ببعل الأرض الذي جاءها ضيفا ..
أكلت الريح حساء الأرض وحياءها، وفتات الأيتام في مخيمات السماء التي لا تغني لفيروز أعذب أغانيها .. .
الأرض حامل ، لا تتلذذ بمولودها ، تتقيأ الوحل في أشكاله المستعصية ... تتوحم ، على الموز في عز الخريف وعلى الرمان في عز الصيف ، وهما موجودان بوفرة .
الريح حامل أيضا لكنها عاقر ، مثل خاتم الخطوبة ، والزفاف والطلاق ،
انطلق ممدوح بشكواه إلى القاضي الأعزب ..عزف عن استقباله .. عبس وتولى ..لكنه سجل شكواه بالسجلات ..عبس وتولى ، وقد جاءه بهذا المعنى .. نظمٌ استرقه من ضيافة المآقي للمآقي في يوم غائم ..في يوم شاحب كالشتاء ..
القاضي على أريكته : اسمعني يا هذا ..؟
نزع الغبار المعفر لمآقيه .. لشعره الأشعث .. أنشد :
الزمن المحنط
يستفزني الصمت المحنط ..يجيء من
زمن محنّط ..
إنه يا سيدي زمن محنط
يرفض الحب المطلق ..
يرفض المنطق
يرفض النهر
يرفض الجهر
يستفزني الزمن المحنط
وأتباع الزمن المحنط
آه ..كم أخشاهم ..
المبحرون في الزمن المحنط
أخشاهم مثلما الشجر يخشى الخريف
أخشاهم مثلما البخيل يخشى الضيف ..
القادمون من الصف الأوسط
أمقتُ الاستفزاز.. يحوّل مجرى الشمس ..
أعشق الاستفزاز يعدو صوب الشمس ..
يكتشف الكلمات .. وسط البحر الأزرق ..
وسط الزمن الصدئ ..
إنه يا سيدي زمن صدئ ..
بلا برج .. بلا هيكل نبي ..
بلا فرح .. بلا بيدر سخي ..
كيف أجثو لزمن يفترس لوني ..
يأخذ مني حقائبي . يأخذ حرفي ..
يسرق كوني ..
هذا زمن صدئ ..
هذا زمن لا يفترشه خدي ..
لا لا لا لا لا ..
ليس هذا كوني
***** ********
كوني الكلمات المبحرة نحو الغد الممتد ..
كوني الأمواج المنتشرة حول بحر أمرد ..
أدخله مثلما الشعب يدخل محراب المجد ..
أمتطي صهوة الجرح ..
أمتطي صهوة الشمس ..
أكسر الجسر الذي يحجز دمي
أوزعه عبر النهر طلقات .. حبرا ..
زيتونا .. لونا مصبوغا ..
بكوني ..
بلوني ..
عبس وتولى ثانية ، قال القاضي الأعزب :...قضية غير مؤسسة ..
لا يوجد بحر أمرد .. انصرفْ ..لعنة الوسط عليك ..
خرج من المحكمة يركل شكواه .. فيما استدركته المعاني ، وهو يرش قصائد / سميح القاسم بالتبن وبقايا عصير أيام خلت ..
وكانت / أثر الفراشة / لدرويش تطل من رمسه .. مسحت على شعره الأشعث /.. قالت:
يُتمُ الدهر في الزمن المحنط .. وركلت وإياه شكواه.