في هذا الكتاب الذي عنوانه "مطاردة الانسان: حروب الجزائر" من تأليف الكونت ديريسون وصادر سنة 1891، يستعرِض الكاتب يوميات أحد العسكريين الفرنسيين، وهو ضابط سامي في الجيش الفرنسي، متخرج من مدرسة سان سير العسكرية المشهورة، عن إقامته وتنقلاته في الجزائر خلال التوسع الفرنسي في الأراضي الجزائرية، ويذكر بوسمغون في الفصل الواحد والعشرين تحت عنوان صغير هو سرقة بوسمغونPillage de Boussemghoun ، بين الصفحتين 262 و 270.
بعد الحديث عن مرور الحملة العسكرية بكل من عسلة والشلالتين الظهرانية والقبلية، جاء الحديث عن وصول الحملة إلى بوسمغون يوم 23 أبريل 1847 على الساعة الثانية عشر والنصف زوالاً، وهذه ترجمة لجُل ما رواه العسكري حول دخول الفرنسيين لقصر بوسمغون:
[لقد هرب سكان بوسمغون مع نسائهم ودوابهم وكل ما استطاعوا حمله معهم. لقد تعرَّض القصر للسرقة. سمعنا طلقتين أو ثلاث طلقات نارية قيل إن حارس المسجد هو من أطلقها. باختصار جُرِح واحد منا لدى دخوله القصر، والثاني تلقى طلقة مسدس من امرأة. لقد قتلنا اربعة رجال وامرأتين. لقد رأيت امرأة منهما ملقية أمام المسجد –إنها التي أطلقت النار– بجوار جثة متسخة عارية لشيخ هي بدون شك لحارس المسجد، وقد تعرَّضت للتدنيس من بعض الجنود بحِراب البنادق في الأعضاء الحساسة. لقد تعرَّضت المكتبة للتخريب. الكثير من المخطوطات هي بحوزة الكولونيل أوكيف O'keeffe.
أعطيت الأوامر بعدم قطع النخيل- يوجد منه أكثر من 10 آلاف نخلة – لكن الأخشاب التي كانت تدعم هياكل البيوت تم أخذها لاستعمالها كحطب للطبخ. الكل شارك في عملية السرقة: الڨومي(2) وبعض السكان الذين لم يهربوا واليهود(3) القذرين الذين كانوا يتبعوننا. فيما يخصني، استوليت على وثيقة بالعربية وجدتها في نعش كسَّره الجنود (الكاتب هنا يبين طبيعة الوثيقة بعدما أرسلها لأحد الشيوخ لترجمتها واسمه أبو نضارة –صديق فرنسا حسب قوله- حيث يقول إنها تعود لأحد أتباع الطريقة التيجانية، وإنها جواز سفر سماوي بالنظر لما حملته في طياتها، وأهمها، حسب رأيي، هي شجرة نسبْ الشيخ أحمد التيجاني).
واصلنا عملياتنا الناجحة يوم 24 أبريل على الساعة الثالثة صباحاً بالفرسان والمشاة من أجل اللِحاق بالسكان الهاربين ... الذين كانوا في سلسلة الجبال العالية ومستعدون للدفاع عن أنفسهم. لم يستطع أو لم يُرِدْ العقيد شَراس Charras مهاجمتهم، وعاد ليُنذر الجنرال رونو Renault بنتيجة العمليات.
بدأت المفاوضات مع الهاربين، وهذا لم يمنع مواصلة عملية السرقة. لقد تلاحق سكان الشلالتين على القصر بحميرهم وحمًّلوها بممتلكات إخوانهم في الدِّين (يقصد سكان بوسمغون). وحول هروب سكان القصر رُويَ لنا بأنهم تلقوا رسالة تطلب منهم دفع الفدية التي جمعوها فعلاً وأرسلوا نصفها إلى الجنرال، غير أن حاملي المبلغ، وعلى بُعد ميلين من بوسمغون اعترض طريقهم الڨوميةُ العاملون في المكتب العربي بقيادة الكابتن دولينيي Deligny، وحينها اخفضوا بنادقهم تعبيراً عن المصالحة، لكن الڨومية أحاطوا بهم وتطور الأمر إلى اشتباكات دافعوا فيها عن أنفسهم، وفقدوا على إثرها المبلغ.
انتظرنا طويلاً السكان الهاربين يوم 27 أبريل. قطعنا الشعير لإطعام خيولنا. رجالنا وسكان الشلالتين واليهود واصلوا "عملهم". حطَّمنا البيوت لاستغلال الأعمدة الخشبية الداعمة لها. ستستغرق الواحة وقتاً طويلاً حتى تعود إلى حالتها بسبب زيارتنا الطويلة هذه. إنها ذكرى لن ينساها ساكنوها.
إنها إحدى الواحات الجميلة التي رأيتها، إنها ديكور حقيقي للأوبرا عند طلوع وغروب الشمس. تكلَّمت عن المسجد الذي كانت عنده الجثتين، يوجد مسجد آخر جديد وأكثر بهاءً وأحسن بُنياناً.
كانت أشجار النخيل تعجُّ بطائر القيق(4) الذي يشبه في شكله ولونه ذلك الموجود في بلادنا. طائر آخر جميل هو الوروار أو آكل النحل(5)، إنه رائع.
خلال الخمسة أيام التي بقيناها في بوسمغون، كنا نأكل البصل الأبيض والشعير المُحمَّص وخبز التمر...
عندما لم يظهر سكان بوسمغون، قرَّر الجنرال رونو Renault المغادرة.
يوم 28 أبريل على الساعة الرابعة والنصف كنا في الطريق.]
انتهى كلام المؤلف.
-------------------------------------------------------------------
1- جنوب بوسمغون يوجد جبل تانوتْ في الجهة الغربية، وفي الجهة الشرقية يوجد جبل تامدا، وكلاهما يبعد عن القصر حوالي 8 كم ويبلغ ارتفاعهما 1900م تقريباً.
2- الڨومي Le goumi، نسبة إلى الڨومية وهي فرقة عسكرية شكلتها فرنسا، حسب الرواية التاريخية، من الجزائريين الخونة لمجابهة المقاومات الشعبية خاصة منها مقاومة الأمير عبد القادر. وأصبحت كلمة الڨومي مع مرور الوقت صفةُ كل جزائري متعاون مع فرنسا وخائن للوطن.
3- يذكر الضابط أنه أثناء مرورهم بالشلالة الظهرانية، وجدوا ثمان عائلات يهودية تسكن هناك، وباتجاههم نحو بوسمغون تبِعتهم هذه العائلات خوفاً من انتقام السكان الذين اتهموها بالابتهاج لمجيء الفرنسيين.
4- اسمه بالفرنسية Le geai bleu.
5- اسمه بالفرنسية هو Le guêpier.